arablog.org

متى يستحق الوطن أن يُقال عنه وطن؟

قابلت صديق هندي بعد غياب دام أكثر من عام ونصف، حسب ما حكا ليّ أنه سافر وقضى هذه الفترة في الهند، لفت انتباهي جسمه الممتلئ الذي يدل على راحته النفسية خلال الفترة التي قضاها بين الأهل والأحبةِ في وطنه. هذا ليس حصراً على الهنود فقط بل أغلب الجنسيات التي قابلتها هنا في السعودية بعد العودة من الإجازة تكون بحالة مشابهة لما هو عليه.
من حقارة بعضنا ودناءتهم كعرب أو كيمنيين بالتحديد تجد من ينظر إلى الهندي بنظرة دونية هنا في بلد الاغتراب، على سبيل المثال ولا أنسى هذا الموقف عندما تشاجر أحد الزملاء في العمل يمني مع آخر هندي فتدخلت لفض الاشتباك وكنت محايداً وعندما عرفت أن صديقي اليمني هو المخطئ أنتقدت سلوكه، حينها صب جام غضبه عليَّ وأسرف بكيل السباب والشتائم للهنود بألفاظ عنصرية مقززة وأختتم مهرجان ألفاظه العنصرية ضد الهنود بأنّ سماهم حثالة الأرض.

قد يكون بعض سكان الهند فقراء وهم من يدفعهم العوز إلى الاغتراب أو الخروج من أرضهم للبحث عن وظيفة يقتاتون منها ولكنهم حتى وإن خرجوا منها يعودوا إليها ووجدوا أمامهم وطن يعيشون فيه بسلام، وطن يحفظ كرامتهم ويوفر لهم متطلبات الحياة الأساسية من تعليم وكهرباء وماء… وإلى آخر، يجدون أمامهم أكبر شعبٌ في هذا العالم يمارس الديمقراطية ويتداول السلطة بسلمية بعيداً عن العنف والصراع والدمار الذي يحكم حياتنا السياسية كعرب أو كيمنيين على وجّه التحديد، يجدون أمامهم عاشر اقتصاد عالمياً ونهضة تعليمية وتنموية كبيرة ووطن وشعب وجيش متماسك وملتحم، يجدون أمامهم أعراقاً وأدياناً وثقافاتٌ ولغاتٌ  متنوعةِ ومختلفة تناقض بعضها بعضاً لكنها بنفس الوقت ترسم أفضل وأرقى صور التعايش بين المتناقضات، لا وجه للمقارنة بين بلداً كالهند وشعبٌ كشعب الهند وبلداً أو شعبٌ في منطقتنا العربية الحافلة بالكوارث التي ينتجها تفكير أبنائها.

لا أدري هل ينظر من يحتقر الهندي هنا إلى وجهه في المرآة كلّما دلف إلى منافذ اليمن عائداً من بلد الاغتراب وكيف تكون بشرته وجسده وهل يفعل نفس الشيء عند عودته إلى بلد الاغتراب ليشاهد بشاعة ملامحه أثناء العودة من الإجازة، ليدرك أنَّه يعود فاراً كسجين من وطنه ليقرأ مأساة الوطن في وجهه، لندع هذا وننظر إلى ما هو أعمق من هذه الشكليات، تخيل أن يواجهك وأنت عائد إلى بلدك مليشاوي وكذلك في القرن الواحد والعشرين، يستفزك بسلاحه لتدفع له ضريبة دخولك إلى وطنك.. تخيل أن تعيش الرعب وأنت تتنقل بين المدن حتى تصل إلى قريتك الريفية أو أن تعيش فترة إجازتك في مدينة يسكنها الرعب يموت أهلها الأبرياء بين كل لحظة وأخرى نتيجةً لحروب عبثية بين الأطراف السياسية أو بالأحرى المليشاوية التي تتحكم بزمام الأمور على الأرض، تخيل وأنت تعود في عصر الإنسانية إلى وطن لا دولة له ولا جيش ولا مؤسسات ولا دستور يحكمه ولا حقوق للإنسان وإلى آخر .. !!

من يحتربون بذرائع دينية أو سياسية أو مناطقية ويحولون أوطانهم إلى محرقه وينشرون الرعب في أرجاؤه هم الحثالة أما الهنود فما هم إلا أرقى البشر بنوا وطن يتفاخرون فيه ويجدونه في كل مكان، يجدونه فيه أو خارجه من خلال شركاته وصناعاته في الأسواق الدولية حتى في الفضاء الخارجي لهذا الكون الهند موجودة وفي كل مكان.

في ملامح صديقي الهندي قرأتُ ما معنى أنَّ يكون لك وطن فتنعكس في إشراقة وجهك ملامحه ومعالمه وطمأنينته، الهندي مهما كان فقرهُ فهو غني لأنهُ يملك وطن يعوضه عن كل شيء إنما الفقير هو من لا وطن له أو يشعرُ بالخوف في وطنه من يعيش تحت رحمة المليشيات والجماعات المسلحة من تسحقه جماعات العنف هذا النوع من بني الإنسان مهما كان غنياً فهو فقير جداً ولا قيمة له !

لقد نزل سقف مطالبنا اليوم ولم نعد ننظر إلى أن من الضروري أن يوفر لنا الوطن فرصة وظيفية لنعيش منها بين أهلنا وأحبابنا بل اليوم أصبحت مطالبنا تقتصر على أن نجد أمامنا ونحنُ عائدين إليه وطن يستحق أن يُقال عنه وطن !

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *